#1
|
||||||||
|
||||||||
![]() عنوان الرواية: "في آخر ثلاث شهور " ![]() في إحدى المدن، كانت هناك شابة طموحة تدعى ليلى، تحمل في قلبها حلمًا لم يفارقها منذ الصغر. كانت ترى نفسها ممرضة، تتجول بين المرضى، تزرع فيهم الأمل وتشفي قلوبهم الجريحة. بعد أربع سنوات من الدراسة في كلية التمريض، كانت ليلى على بُعد ثلاث شهور فقط من إنهاء برنامجها الجامعي. قد مضت كل تلك السنوات بحماس وإصرار، رغم كل الصعوبات التي واجهتها. لكن، القدر كان يخبئ لها مفاجأة. بدأت صحتها بالتدهور تدريجيًا، حتى تبين أنها تعاني من مرض نادر جعل من الحركة تحديًا. في الوقت الذي كانت تستعد فيه لإتمام تدريبها العملي، بدأت أعراض المرض تتفاقم، فلم تعد تستطيع الوقوف لفترات طويلة أو التنقل بسهولة. ورغم محاولاتها الجادة للتماسك والاستمرار، كانت القيود الجسدية أقوى من إرادتها في بعض الأحيان. لم تكن الجامعة متفهمة للوضع، وبدلاً من تقديم الدعم أو إيجاد بدائل، واجهت ليلى الرفض. في عيونهم، لم تكن قادرة على إتمام ما تبقى من متطلبات البكالوريوس، وفي عيونها كانت تحمل شهادة أحلامها الممزقة. ليلى لم تستسلم، لكنها كانت تعيش يوميًا مع شعور بالخسارة والخذلان. كيف يمكن لحلم استمر سنوات أن يُسلب منها في لحظات؟ كان المجتمع والأصدقاء يتساءلون عن السبب، لكنها لم تجد في كلماتها القدرة على شرح حجم الظلم الذي شعرت به. لقد اجتازت كل شيء، إلا الأيام الأخيرة، وكأنها لُعبة ظالمة، تقف أمام خط النهاية ولا تصل. بعد مرور سنوات، تحولت ليلى إلى كاتبة. كانت تكتب لتتغلب على ألمها، على الظلم الذي لم يبرأ بعد. من خلال كتاباتها، أخبرت قصتها للعالم، وحكت كيف أن الأقدار قد تخذلنا أحيانًا، ولكن لا يمكنها أن تسلب منا أحلامنا بالكامل. كل كلمة كتبتها كانت شهادة على نضالها، حتى لو لم تُطبع شهادتها الجامعية يومًا. مرت الأيام ببطء، وكأن الزمن تعمد أن يثقل كاهل ليلى أكثر. كلما أرادت أن تتجاوز حزنها على ما فاتها، كانت الذكريات تعود بقوة. تعود إلى تلك القاعات التي قضت فيها سنوات شبابها، إلى الكتب التي كانت تقرأها بلهفة، وإلى المرضى الذين طالما تخيلت نفسها تسعفهم بابتسامة. لكن، مع كل هذا الألم، كانت هناك شرارة صغيرة في داخلها، شرارة رفضت أن تنطفئ. "قد لا أحمل شهادة، لكن لا أحد يستطيع أن يسلبني المعرفة التي اكتسبتها أو الرحمة التي زرعتها في قلبي". كانت هذه الجملة تتردد في ذهنها كلما شعرت باليأس. وقررت ليلى، أخيرًا، أن تبدأ حياة جديدة، حياة لا تعتمد على الأوراق أو الألقاب، بل على ما يمكنها فعله رغم كل شيء. بدأت ليلى في التواصل مع الجمعيات التي تهتم بمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة. لم تكن تحتاج إلى شهادة لكي تقدم المساعدة. لقد تعلمت الكثير من خلال سنوات دراستها، ولم تكن بحاجة إلى مكتب رسمي لتقديم الدعم. بدأت تشارك في مبادرات مجتمعية، وتقدم النصح والإرشاد، وتساهم في نشر التوعية حول أهمية الصحة النفسية والبدنية. مع مرور الوقت، وجدت ليلى نفسها محاطة بأشخاص يقدرونها لما هي عليه، وليس لما تحمل من أوراق. لقد أصبحت مصدر إلهام للآخرين، لأولئك الذين عانوا من الظلم أو أصابتهم الأمراض. وجدت في نفسها قوة جديدة، قوة لم تكن تعلم بوجودها، وكأنما الألم كان طريقها نحو اكتشاف ذاتها الحقيقية. ولكن، رغم كل هذا النجاح، بقي في داخلها شيء من الألم الخفي. كانت تتساءل بين الحين والآخر: "ماذا لو؟". ماذا لو أن صحتها لم تخذلها؟ ماذا لو استطاعت إنهاء تلك الأشهر الثلاثة؟ لكن، مع مرور الأيام، أدركت ليلى أن هذه التساؤلات لا تنفع. الأهم هو ما فعلته بما كان متاحًا لها، وكيف حولت خسارتها إلى انتصار. وفي أحد الأيام، تلقت ليلى رسالة غير متوقعة. كانت من أستاذ قديم في الجامعة، أحد القلائل الذين عرفوا بقصتها ودعموا جهودها. كتب لها يقول: "لقد سمعت بما تفعلينه الآن، وكيف أنكِ أصبحتِ مصدر إلهام لكثيرين. أردت فقط أن أقول لكِ إنني فخور بك. قد لا تحملين شهادة، لكنك تمتلكين ما هو أعظم منها: قلبًا يعرف كيف يعالج الجروح التي لا تراها العيون." أغلقت ليلى الرسالة بابتسامة هادئة. لأول مرة منذ سنوات، شعرت أن الماضي لم يعد يملك عليها سلطة. لقد وجدت نفسها في مكان آخر، مكان لم تخطط له، لكنه كان مليئًا بالمعنى والرضا. لم تكن بحاجة إلى شهادة لتثبت شيئًا، فقد أصبحت شهادتها هي الحياة التي صنعتها بيديها، بعيدًا عن التوقعات المرسومة مسبقًا. أدركت ليلى أن الأقدار قد تكون ظالمة أحيانًا، لكنها أيضًا تفتح أبوابًا أخرى، لمن يجرؤ على النظر خلف الجدران التي تُبنى في طريقهم. مرت السنوات، وأصبح اسم ليلى معروفًا في الأوساط المجتمعية. من شابة كادت أن تغرق في بحر الخذلان، إلى امرأة قوية تجاوزت العثرات، لتصبح نموذجًا للأمل. كانت تشارك قصتها في المؤتمرات والجلسات النقاشية، تلهم الآخرين ألا يستسلموا للألم أو الفشل، وتؤكد لهم أن النجاح لا يُقاس دائمًا بما يُسجل على الورق. وفي أحد الأيام، وهي تستعد لإلقاء كلمة في إحدى الفعاليات، توقفت ليلى أمام المرآة، تتأمل انعكاسها. لم ترَ الفتاة الحزينة التي كانت تمتلئ بالأسئلة عن الماضي، بل رأت امرأة نضجت، امرأة شقت طريقها بجهد وإصرار. في تلك اللحظة، أدركت ليلى شيئًا عميقًا: ربما لم تكن تلك الشهادة التي طاردتها لسنوات هي غايتها الحقيقية. غادرت ليلى منزلها متجهة إلى الحدث، وبينما كانت تسير في الممر المؤدي إلى القاعة، توقفت عندما سمعت صوتًا مألوفًا يناديها. استدارت لترى مجموعة من طلاب التمريض يحملون ورودًا. كانوا مجموعة من الشباب الذين تأثروا بقصتها، وقد جاءت كلماتها يومًا ما لتدفعهم إلى المثابرة. تقدموا نحوها بخطوات مترددة، ثم قال أحدهم: "أنتِ لم تكوني فقط قدوة لنا، بل كنتِ المعلمة التي لم نلتقِ بها رسميًا، لكننا تعلمنا منك الكثير. هذه الورود ليست تكريمًا لامرأة فشلت في نيل شهادتها، بل لامرأة نجحت في أن تكون ما لم يستطع أي كتاب تعليمي أن يعلمه لنا." تأثرت ليلى بكلماتهم، وعيونها امتلأت بالدموع. في تلك اللحظة، شعرت أنها حصلت على شيء أغلى من أي شهادة، شيء لم يكن بإمكان أي جامعة منحه لها. لقد كانت شهادة الاعتراف من قلوب الشباب الذين ألهمتهم، والذين رأوا فيها نموذجًا يحتذى به. أمسكت ليلى بالميكروفون، وقبل أن تبدأ كلمتها أمام الجمهور، قالت بصوت واثق: "قد يظن البعض أنني فشلت لأنني لم أحصل على شهادة البكالوريوس. لكن اليوم، وبعد سنوات من الألم والكفاح، أدركت أن النجاح ليس ورقة تُعلق على الجدران، بل هو في القدرة على النهوض من الكبوات، في إلهام الآخرين، وفي صنع حياة ذات معنى. شهادتي الحقيقية ليست ما كنت أطمح إليه في الماضي، بل هي تلك الحياة التي بنيتها رغم كل الظروف." ارتفعت التصفيقات في القاعة، وأحاطتها مشاعر الإعجاب والحب. في تلك اللحظة، شعرت ليلى أخيرًا بأنها قد وصلت إلى خط النهاية الذي كانت تسعى إليه منذ البداية، لكن الطريق الذي سلكته كان مليئًا بالمعاني أكثر مما كانت تتخيل. وعندما غادرت القاعة في نهاية اليوم، أدركت أن الماضي الذي كان يثقل كاهلها قد أصبح مجرد قصة تلهم الآخرين. لقد انتهت قصتها مع الخذلان، وبدأت قصتها الجديدة مع الانتصار. --- انتهت. مستوحاة من قصة حقيقية المصدر: منتدى محبي أهل البيت عليهم السلام - من قسم: منتدى القصص المعبرة td Nov eghe ai,v .i,v
آخر تعديل Bright Soul يوم
10-21-2024 في 08:04 PM.
|
![]() |
|
|
|
|